
نور الدين أمرابط
تقرير خاص | أمرابط .. رُوح مرحَةٌ تسري فيها الاسْتمَاتة و"التَّمْغْرابيتْ الحَقَّة"
أيوب رفيق (البطولة)
بين روح الدُّعابة والجدية، والانْشراح والقتالية، والمُزَاح والصَّرامة، تناقُضات استطاع نور الدين أمرابط تطويعَهَا، وصَهْرها في بوتقة واحدة، لتجعل من شخصيته مزيجاً من صفات فسيفسائية، أفْضَتْ به، دون أدنى شك، إلى مُلامسة قلوب المغاربة، وأَسْرها، بلا استْتذان منها.
النجم الشَّهير بقفشاته التي لا تكاد تبْرَحُ أحاديثه، يُجسّد، بالفعل، ذاك اللاعب النموذجي في نظر الأنصار، والذي يذود عن ألوان منتخب بلاده بكل استماتة، ويُبلّل قميصه بقطرات السخاء والتضحية، دون أن ينال ذلك من خفة دمه. وقد جاءت مشاركته الأخيرة في المونديال لتُكرّس خصاله الإنسانية، وتُبلور ملكاته الكروية أمام أنظار العالم.
إلا أن ما ذُكر لا يُشكّل سوى الوجه المكشوف لمشوار أمرابط، وسيرة حياته، مُقابل حضور تفاصيل لا يعرفها الكثيرون عنه، تؤثّث ذلك الجانب "غير المرئي" من شخصية بدماء مغربية، ونشأة هولندية، كُتب لها أن يبزغ نجْمُها، وتشعَّ تألقاً، في الأراضي الروسية، بشهادة عالمية ودولية.
مُعاناة وبذل وعطاء
"أنا شخص متواضع وأبذل قصارى جهدي؛ سواء لعبت رفقة نادٍ هاوٍ أو نظفت الأواني أو خُضت دوري أبطال أوروبا"، هكذا يُؤْثر صاحب الـ31 سنة تعريف نفسه، مُبرزاً أن البساطة، والسخاء، بمثابة شعارات يحرص على اعتمادها في نمط حياته، سواء كان ذلك يسري على الشق المهني أو الشخصي.
اللاعب الذي رأى النور بمدينة "ناردن"، التي لا تَبْعُد عن العاصمة أمستردام سوى بـ24 كيلومتر، يجُرُّ خلفه مساراً حافلاً بالمطبات والمنعرجات، والتي أسْهمت في اشتداد عوده، وتقوية مناعته أمام الإحباط أو الفشل؛ فهذه الكلمات لا يعترف بها أمرابط في قاموس، ويحاول ما أمكن النأي عنها.
كانت للمغربي أحلامٌ كروية قد بدأ، بالفعل، بتلمُّسها، وهو يصْقُل مهاراته في أكاديمية "دي توكومست"، الخاصة بنادي أياكس أمستردام، في أفق الارتقاء إلى فريق الكبار، لكن سرعان ما انقلبت أمانيه رأساً على عقب، لتصير ما يُشبه "كابوسا"، بعد استبعاده من قائمة الأسماء التي ستواصل مسار التكون بمدينة نادي العاصمة، في سن الـ13.
اضطر أمرابط بعدها لإلقاء نفسه في دورة الحياة، وعالم الشغل، إذ امتهن، لبعض الوقت، تنظيف الأواني في إحدى المطاعم، وكذلك تنظيف أرضية مدرسة محلية، في انعكاس للاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية. ويقول نور الدين في حوار سابق مع الموقع الرسمي لـ"الفيفا": "يتعين على المرء أن يركز بشكل كامل على ما يقوم به في الحياة، وهو ما أفعله دائماً".
تسلق سلم النجومية
لم يكد الجناح المغربي من الاستيقاظ من "صفعة أياكس"، حتى امتدت له يد ناد يُزاول في الدرجات الدنيا بالكرة الهولندية، يُدعى "أومنيوورلد"، ثم قضى عقب ذلك موسماً مع فينلو، ليلتحق في آخر المطاف بصفوف إيندهوفن، حيث قدَّم نفسه لمتابعي "الإيرديفيزي"، وذلك سنة 2008، بأكثر من مليونيْ يورو.
وفي غضون أربع سنوات، كان الشقيق الأكبر لسفيان قد خاض مباريات بمسابقة دوري أبطال أوروبا، والدوري الهولندي، وهو لم يتجاوز الـ21 من عمره، قبل أن ينضم إلى الدوري التركي من بوابة قيصري سبور، سنة 2011، ثم غلطة سراي بعد موسم واحدة، كتتويج لفصول من الاجتهاد والتفاني التي أظهرها اللاعب.
مجاورة أمرابط لنجوم مثل الهولندي ويسلي شنايدر والإيفواري ديدييه دروغبا، داخل العملاق التركي، أكسب إسمه صيتاً أوسع، وزوَّد رصيده الكروي بتجربة أكبر، كما مدَّه بجرعات من الثقة، جعلته قادراً على الارتقاء إلى المستوى العالي، وحجم التحديات التي تقف أمامه.
وما يكاد الهولندي الميلاد يلتحق بفريقه، ويمضي معه بضعة أشهر، حتى يرغب في ضمه فريق آخر، وهو ما حصل السنوات الأخيرة، والتي عرَّج فيها على مجموعة من الأندية، مثل ملقا الإسباني وواتفورد الإنجليزي، أين سيعود، في الميركاتو الحالي، بعد انقضاء فترة إعارته إلى ليغانيس.
تمسك بالأصل وقصة تطبعها الطرافة مع "الدَّارجة"
بخلاف العديد من اللاعبين، لم يعش نور الدين أي تردد في مسألة اختيار المنتخب الوطني المغربي، فقد كان حازماً في هذا الشأن، منذ دخول عالم الاحتراف، إذ كان يقول: "أحلم بتمثيل المنتخب المغربي، لن أدافع سوى عن ألوان الأسود"، ليكتب له ذلك سنة 2012، تحت إمرة المدرب البلجيكي إيريك غيريتس.
ثمة ارتباطٌ وثيق بين أمرابط وكل ما له صلة ببلده الأم، بحرصه على الحديث باللهجة المغربية "الدَّارجة"، رغم تلعثم فيها، والمآزق التعبيرية التي تضعه فيها، إلا أنه يبدو "متطرفا" في "التمغرابيت"، ولو أنه وُلد وترعرع في بلاد الأراضي المنخفضة.
"الموغريب"، "اللّي يْجيْ بسم اللّهْ"، هي من القفشات التي أضحك بها نجم ليغانيس ملايين المغاربة، ولو عن غير قصد، وهو يحاول التواصل مع أبناء وطنه بلغتهم الأم، مما رفع رصيد محبته لدى الأنصار، وضاعف شعبيته في أوساط الجماهير المغربية التي أضحت ألْسُنها تلهج باسم أمرابط.
مشوار أمرابط في نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا، وما رافقه من تضحية وافتداء للوطن، وجسارة أمام الصّعاب، يأتي ليُظهر المعدن الأصيل للاعب المغربي، ويُبرز كذلك مؤهلاته الكروية التي جعلته من بين أفضل لاعبي "أسود الأطلس" في المسابقة العالمية.